top of page

ليتها تعود وأنا أعود


محمد عوض الطعامنه\ لبنان

ليتها تعود وأنا أعود

لم يدر في خلدي يومها وأنا ارتدي سترتي البيضاء القشيبة في ذلك الصباح الربيعي النادي ، وأضمخها برذاذ عطري الفواح، وازيد في اناقتي بتزيين هذه السترة ببنطال (جينزي ) سماوي ضيق الذي ما ان اتممت لبسه حتى همس في أذني حفيدي بأحلى الكلمات ' عندما قال : إنك احلى من كل الشباب يا جدو ، لم يدر ببالي إلا ان أصدقه دونما نقاش مغبوطاً وأنا انكب على إتمام فرق شعر رأسي لجهة اليمين وبعناية شديدة وتدقيق متأن فيها الكثير من المخادعة التي قصدت بها منع القدرة على فضح ما يظهرمن لون مختلف في جذور هذا الشعرتحت المفرق . ودعتهم وذهبت في ذلك الصباح الى البنك ونظرات حفيدي وجدته يتبعاني بالكثير من اعجاب الأول وحسد وتندر وحيرة من الثانيه . ....... وما ان وصلت الى البنك حتى وجدت حشداً من العملاء يتنازعون صامتين للوصول الى كاونتر المراجعين الذي تجلس عليه موظفة خدمة العملاء والتي تتمتع بكثير من الملاحة والنشاط ، وقفت مع الواقفين ولكن من خلال الفسحات بين اجسادهم وقع نظري على الموظفة التي صادف انها كانت تعمل وتسترق النظرات نحوي وأنا خلفهم ، ارتعت عجباً من نظراتها عندما خفت موازيني وكدت اطير فرحاً عندما اومت الي ان اتقدم نحوها بمعاملتي ، ناولتها اوراقي مخالفاً لمعتقداتي وقناعتي الدائمة بمشروعية وقداسة النظام والدور. لم تتعجل الصغيرة في خدمتي ، ظلت تخدم الآخرين وأنا اقف امامها موارباً لإستقامة الدور وهي تتلهى بإستراق النظر نحوي حتى كدت اطير خفة وطيشاً ورعونة ، سألت نفسي في لحظة هذا الإنتظار الرائع : أتراها أعجبت بي ؟ بكوني اشبه جدها الأعظم ' او كأنها وجدت في وجهي ملامح ذلك الجد اللئيم ؟لا لا لا هذا ولا ذاك ! لأنها كانت تهش الي بنظرات ليست شبيهة بنظرات الحفيدات .... ترى ما الأمر ؟ سألت نفسي ... اسيقضت من هبلي وهي تناديني بأسمي الذ ي لم استعذب وقع لفظه على لسان امراءة منذ ان ولدتني امي اكثر مما استعذبته على لسان هذه الصغيرة هذا اليوم ،....ولما طلبت مني الإقراب منها وليتها طلبت القربى او طلبتني قرباناً .. تقدمت نحوها ولكن بخفة ورشاقة لم تعهدهما مني زوجتي منذ خمسين عاماً ، حيث لم يكن بمقدوري أن اقم بمثلهما منذ ازيد من اربعة عقود....... ابتسمت واجبتها بكلمة نعم ، ملحنة مغناة رغم ما اعاني في حنجرتي من بحة وجهش منذ ان خضعت لعملية جراحية في جيوب انفي في ستينيات القرن الماضي . المهم ...... طلبت مني هويتي الشخصيه ، ويا ليتها لم تفعل ، ناولتها الهويه ونسيت من غبائي ان هذه الهوية ممهورة بتاريخ ميلادي التعيس الذي ويعلم الله انه يتقارب كثيراً من تاريخ ميلاد محمد على باشا والي مصر وبلاد السودان يرحمه الله . المهم أنه لم يكن ثمة ما يهمها من كل هذه الحركات إلا معرفة التاريخ اللعين الذي لم اتنبه الى عملية طمسه او تزويره من زمان ...... ما أن قرأت فتاتي الحنون الهتون تاريخ ميلادي حتى تغيرت كل ملامح وجهها فانبرت نحوي بنرفزة قاسية وهي مخذولة مرذولة وسألتني :................ ( أهذا تاريخ ميلادك يا جدو ؟) . خطفت الهوية من يدها وغبت عن الحاجز الخشبي والى يومنا هذا .....ولكني ما ازال اقبع متلاصقاً بجبرية الحاجز الزمني ولسان حالي يقول ........... ليتها تعود .....وأنا أعود :

اخر المنشورات
 
bottom of page