top of page

الصديق ...ذلك الطفل ألأبدي


حسين رحيم / العراق

الصديق ...ذلك الطفل ألأبدي

في صغري كنت مولعا بالصداقة ..كان لدي اصدقاء كثر ...بقرة جيراننا التي ترسل لي كل صباح (باطي اللبن) بطعمه الذي لم يأت به أي لبن تناولته بعدها, وشجرة التوت في بيتنا وجندب ابيض كان يزعجني في الليل بصريره ...كرررريك ..كرررررريك لكنني حين كنت اقترب منه كان يصمت احتراما لوجودي معه وكنت احدثهم جميعا لأنهم لايقطعون حديثي ابدا وحدثتهم عن امي واخوتي واختي الصغيرة التي كنت الاعبها لكن (نهر الخوصر) القريب من بيتنا كان هو من يحدثني وانصت له كنت اسمعه طوال الليل وهو يحدثني بهسيس ألأنهارعن صيادين نصف عراة في قوارب عتيقة...يغنون بحزن عن فقدان الحبيب... وعن اسماك ملونة تهاجر الى الخليج ولاتعود ..وعن نوارس وبط وإوز..بيض وزنجاري يأتون اوائل الربيع ويغادرون اواخر الخريف وعن فتاة بشعر..تمري تأتي كل صباح وتجلس على ضفته منتظرة ان يخرج حبيبها الذي ابتلعه النهر...لكن حبيبها لم يخرج ...ولم يتوقف النهر عن سرد الحكايا ولم اتوقف عن طفولتي .إنها مشكلة فطفولتي أخفيتها خجلا امام رجولة مبكرة فرضها علي واقع لايقبل بوجود ألأطفال . وتلك نصيحة همس بها في اذني طائر القرزبيل الذي حط على كتفي مرة ( أن عمر الطفولة قصير لكن عندك ربما سيكون ابديا لأن قلبك اليتيم تغمسه كل ليلة في قدح من الدموع وتنام) ثم طار, رغم كل شيء مازلت محتفظا بصداقتهم حتى عدت اليهم اخيرا أقتربت من شجرة التوت كانت مجموعة اضلاع رماية يابسة تلمست جذعها وعرفت كذبة ألأشجار التي تموت وهي واقفة تركتها ومضيت فوجدت حفيدة تلك البقرة وهي تغمز لي بعينها الواسعة تلك التي علمتني كيف اتناول اللبن الرائب وعيني على امي الدامعتين غبطة بوليدها المجنون بالحشرات وألأشجار وصداقة نهر المدينة الخجول وحين بحثت في غرف بيتنا القديم في (حضيرة السادة)قرب حمام المنقوشي عن صديقي ألأبيض عازف الليل بقدميه وجدت المئات من اخلافه السود سألتهم لم تركتم لون جدكم ألأبيض , التموا حولي وصرخوا لاتسألنا واسأل عينيك ,تركتهم وعدت الى صديقي العم (خوصر) حكواتي طفولتي وجدته عجوزا نحيفا قد رق جلده وصغر مجراه واخضر لونه صحت به ..

ــ مابك ايها ألأخضر لقد شخت كثيرا وكأن دهرا قد حل بينك وبين تلك ألأيام ...اين ايام صبابتك حين كنت اركض قدامك وانت تلحق بي جذلا مطلع كل شتاء , اجابني بذاك الرنين الوسيم الذي تمتاز به ألأنهار حين تتحدث:ـ

ــ لاتسألني وأسال عينيك عن الذي رأته منذ تلك ألأيام ...انها خمسمئة عام ياولدي

ــ انه زمن طويل على تلك ألأيام

ــ انه عمر ألأنهار الحزينة وليس عمرك ...تركته بسرعة وانا اسأل حين تبكي ألأنهار مالذي ينسكب من عينيها ...من بعيد كان يأتيني صرير الجنادب ..كررريييييك ..كررررييييييييييييك ..كان حزينا ...لقد صدقت شجرة التوت وحفيدة البقرة واخلاف صديقي ألأبيض والعم خوصر و...كذبت على قلبي مرةأخرى

اخر المنشورات
 
bottom of page