top of page

عن تجربتي الروائية/حميد المختار


حميد المختار / العراق

عن تجربتي الروائية

ـ1ـ

ان ابتدئ خطواتي، هو ان أنحو باتجاه قافلة الكلمات التي أريد لها ان تكشف لي وللآخر عن بواطن النصوص وأغلفتها التي قلما تعطي نفسها وقلما تقود الآخر الى أسرار النص ولذائذه. فأنا واحد من الذين يرتعون في الأسرار ويرتشفون حروف المعنى من لبن الكلمات كما لو كانت نوقا تقودها عواصف الصحراء، والنص لدي أشبه بالواحة، التي تركها الله لتمارس حريتها التي تصنع مناخا تهيئ لنا ما نستطيع به ان نقتحم غرفها المقفلة بمفاتيح الحروف، وحيث ندخل نكون قد دخلنا لتونا مكانا مسكونا بالذوات التي ربما هي ذواتنا ذاتها، وإلا فكيف نفسر رجحان كفتها وهي تصعد موازين الابداع وتفتح ابواب المسرات لتدخلنا في أتون النصوص، من لنا غيرها ونحن ندخل المعتركات السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ ومن لنا ونحن نضيع في ظلمات الزنازين كما لو كنا عميانا في لجج البحور الضائعة والخارجة من النواميس والاسطرلابات، تلك هي واحة اللغة وربما هي واحة النصوص بغرفها المشرعة على عقولنا المغلفة بسيلوفان الخيال الذي ما ان تزيله حتى تتداخل الرؤى والخيالات بالعقول وتشابكات الواقع وتعقيداته، وتصبح في النتيجة بين يدينا عجينة هي أشبه بعجينة الخلق المؤنسنة التي اغترفها الخالق لتوه من عوالم الذر ليصنع منها ما يصلح للدخول في أصلاب الخلائق القادمة من العدم، تلك العوالم نصنعها نحن بأناملنا ذاتها، هذه الأنامل المحترقة بجذوة القلم وجمرة القبضة الملتهبة وهي تعانق البياض التواق للوصول الى راحة اليد والتلذذ بملامستها والسير على حبال الحروف وكأننا نمسك بتلك الحبال للوصول الى ضوء الفنار وسط البحور الهائجة، هكذا أفهم العملية الإبداعية، وأفهمها بأنني سأكون واقفا على سطح ناطحات السحاب أشرف من علو شاهق على خلائقي وهي تدب كالديدان حولي باعثة حياة وحركة وسط سكون وموات، وهو ما أريده وما يهواه النص وما ترغبه الكلمة، لأن في البدء كانت الكلمة، هكذا قالها الله منذ بدايات الخليقة ومازال يقولها، الكلمة سري، والحرف أزاري، والمعنى وجودي، وهذا كله سيكون مجتمعا للخلق باعثا للوجود ناطقا بالحياة ضاجا بالحركة، من هنا اكتشفت الرواية وتأكدت أنها مدونة لتاريخ الانسان وانفعالاته ومشرّعة لقوانين مفترضة ومسعفة لذاكرة البشرية وهي التي تمهد للكلمة التي هي الاخرى تنفخ فيها من روحها، لأنها غشاء بكارتها الذي لم يفض بعد، أعتقد ان الروائي هو الوحيد القادر على فض ذلك الغشاء، النص إذن جسد والكتابة هي اللذة الآتية من التقاء البياض بالسواد، وسيكون كل ذلك سائرا الى رحم الكلمات الخالق الذي سينتج لنا نصا مقروءا..

ـ2ـ

بما يمكن للقارئ المتخصص من اصطياد النص في بريات القراءة كوعل يبحث عن رائحة الانثى، من ذا الذي يمكنه ان يميط اللثام عنه ويكشف اسراره بحرفيته العالية، ثمة مسالك وعرة لا يمكن السير فيها للغرباء او الذين يحملون في قرارة انفسهم قصدية قاتلة هؤلاء صيادو الاوهام سيغرقون حتماً في بحور السراب المتلاطمة امامهم، النص سر والسر مدفون في غابة العقل والغابة مغلقة من جميع جهاتها ولن يتمكن احد من الدخول الاّ من أوتي وعياً عظيماً لأسلحته وعدته ونظراته اللماحة التي ترى من خلال السطح عمق الماء ورقص السمك الكامن في الاعماق، لهذا فمطاردة النص متعة لانه يحيلك الى صورة في الذاكرة ترسم مطاردة الذات للآخر وهي مطاردة الذات لذاتها، لهذا يقول رولان بارت: ليست متعة النص متعة عابرة فهي امتن من ذلك، انها سابقة لأوانها ولهذا فهي لا تأتي في وقتها ولا تتعلق بأي نضج وكل ما فيها يندفع اندفاعة واحدة، والامر هو هكذا دائماً مع النص حين يكون امام قارئ قادر على قراءته وفق مبدأ اللذة ذاته لا وفق مبدأ آخر لا ينتمي الى بعده الجمالي والانساني، وثمة الكثير من المطبات والاحاجي المستعصية التي تقف حائلاً دون المرور اليسير في متونه السردية، ثمة كما يقولون عتبات غواية تنتظر قارئاً يراود النص عن نفسه ويحسن الملاطفة فلا اقتراب الا بعد حب بالمكتوب، اذن فانت امام بحر نصي هائج الامواج تحيطه اسرار وعواصف وغموض، وغرق، فمن يستطيع سبر اغوار البحر في الاجواء العاصفة؟ ثمة دائماً من يتصدى لكل ذلك بحب ورغبة خالصة انه الصياد الماهر والقبطان المغامر الذي فقد سفينة رحلته في المنتصف وعاد أدراجه يبحث عن طرائده المختفية في الاعماق، ان روح التملك قد تلبسته تماماً لهذا فهو قادر على استدراج تلك الطرائد النصية واستخراجها من مكامنها الى سطحه المبارك الذي هيمن بلمساته عليها تماماً، فالنصوص وعول الكلمات التي تترك اثارها دائماً في عطر المكان، والمكان كائن هو الآخر في ذات الصياد يشكل ذاتاً ثانية لها قوانينها الخاصة، اما اولئك الذين يتوهمون انهم صيادو النصوص فهم يحملون عدة زائفة لا تقودهم الى اعماق لذة النص ابداً، انما سيدورون دوراناً متواصلاً يؤدي بهم الى الغرق في مياه ضحلة كثيرة النتانة والبغض، فنراهم مرة يقفزون على النص او يمرون بمحاذاته لكنهم ابداً لن يقتربوا منه فلا مكان هناك الا لمغامر جوّاب قادر بعدته وذائقته ورؤاه الثاقبة ان يجلي الصدأ ويمخر العباب تحت اكوام الهوام والرماد بحثاً عن لؤلؤة في محارة والمحارة كامنة هي الاخرى في عمق النص، ولا يمكن لنا ان نمضي الى تلك الغايات دون فعل القراءة، القراءة هي حوار مع النفس، تلك الحوارات التي توقظ الكلمات النائمة بين دفتي الكتاب، انها لحظة ايقاظات واعية ومستمرة تقودنا حتماً الى انفجار اللغة التي تخلق الحياة في النص، ساعتها سنكتشف وجوداً كامناً في المتون لا يمكن للغافل والكسول والمعبأ بالقصديات ان يوقظ الكلمات او ان يفتح ابواب النص، لا يمكن لهؤلاء ان يقتربوا من عمق المتن لأنهم سيبقون في الهوامش البعيدة عن مكامن اللذة، حقاً اننا بانتظار قرّاء الافاق، قراء الوجود الحي قراءهُّم ايضاً كامنون في اماكنهم لا نراهم دائماً ربما لانهم في حالة غوص دائم في الذوات انهم شفافون كالارواح السحرية لا تراهم العين على العكس من الوجود الثقيل لاصحاب المناطيد الفارغة

Comments


اخر المنشورات
 
bottom of page