top of page

نافذة الجسد/ابتهال الخياط


ابتهال الخياط / العراق

قصة.

نافذة الجسد.

ثلاث نساء في يد كل منهن ورقة ,يقفن في صف واحد أمام

منضدة تسد الطريق الى غرفة يجلس عندها رجل متوسط العمر

غليظ القسمات يتكلم بلهجة خشنة مرتديا زيا عسكريا، موجها

النساء ان يلزمن الصمت في الداخل وان يحرصن على تأدية

المطلوب بدقة وبلازيادة .

دقَّ جرسٌ معلنا بدأ العمل ,وجاءت اشارة الرجل الى المرأة

الاولى للدخول هناك. دفع المنضدة واخرج مفتاحا من الدرج

وفتح الباب وهو يترك مجالا لدخولها ثم عاد فاغلقها .

وقفت المرأة وسط الغرفة وقد تسمرت قدماها ,كانت الغرفة

خالية ,لا احد ! استدارت نحو الباب واخذت تطرق وتطرق لم

يفتحه ,كان الصمت عميقا وفجأة انطفأ الضوء وحلت الظلمة

بالمكان , فكان صراخها عاليا ثم صمتت فجأة.

كانت المرأتان في الخارج ولم يحصل ان وصل اليهما ماحدث

للاولى,فأشار للمرأة الثانية لتدخل وفعل مافعل مع الاولى .

تأملت المرأة المكان بهدوء تلفتت تنظر الى كل ماموجود في

الغرفة ,اثاث وتحف ثم لوحات تم تثبيتها على الحائط متقاربة

جدا ! انتبهت الى وجود نافذة ,لكن حلَّ الظلام الدامس فجأة ,

شعرت بانها تختنق ,حاولت التنفس , الصراخ لم تستطع فهوت

على الارض , وحلَّ الصمت .

لم يصل شيء مما حدث الى الخارج,فكانت المرأة الثالثة تقف

وقد ظهر عليها بعض التساؤل والخوف فقالت: لم تخرج اي

منهما , ماالسبب؟

رفع نظره اليها باستخفاف قائلا: من هما؟ لم يدخل احد .

قالت مندهشة: ماذا تقول ؟ دخلت المرأتان قبل قليل!

قال: لا احد في الداخل , ولايوجد غيرك هنا .

صمتت قليلا ثم قالت: اظن انني ساذهب ,لااريد لقاء احد.

قال: بل ستدخلين الان ولاداعي للخوف يبدو انك متعبة من

الانتظار,تحرك فاسحا لها المجال للمرور ,وفعل مافعل من قبل.

دخلت متلهفة الى طريق هروب فقد شعرت بانها في مصيدة

,كان حظها ربما افضل من السابقات فهي على حذر الان , لم تر

اي شيء غير النافذة التي هرولت اليها لتفتحها بسرعة ,وحلَّ

الظلام لكن الضوء بقيَّ منسابا الى الغرفة , والتفتت لترى رجلا

يجلس في زاوية ينظر اليها مبتسما .

قالت: عجباَ لم ادرك انك موجود !

قال: لابأس تعالي اجلسي واهدأي.

قالت: دخلت قبلي اثنتان ,ماالذي حدث لهما؟

قال: بل انتِ فقط من دخلت لثلاث مرات .

قالت: لا , غير ممكن ,لم افهم.

قال: عزيزتي ,اتعبوك كثيرا هؤلاء الاغبياء وكم حاولتُ اخراجكِ

من هناك لانني اعلم انك بخير فقط تحتاجين بعض الرحمةوكثير

من الحب , كنتِ مريضة في مصح نفسي وشفيتِ ,وأعدتكِ الان

الى بيتكِ ,وكل يوم انتظرك لتأتين باحثة عني كما اردتُ ان

تكوني بطلتي في القصة.ها.. مارأيك؟

قالت: أنا , حقا؟ وهل سيهتمُ لقصتي احد ما؟

قال: حين اكتبها كما ستروين ستكون مهمة جدا ,على الاقل

بالنسبة الي.

قالت: وكيف عرفتني؟

قال: اعرفك جيدا ,فارجو ان تطمئني لي ,لايوجد احد , انا فقط

بانتظارك , انت خائفة وتحاولين في كل مرة ترتيب افكاركِ ,انك

ذكية وقوية رغم ما حصل لك من امر صعب وغريب.

قالت : لكن ذاك الرجل في الخارج مريب وكريه.

قال: لا احد هناك صدقيني ,خوفكِ فقط هو مايجعلكِ ترين

مارأيتِ، قومي معي ,هيا.

سار بقربها وهو يمسك بيدها ويفتح الباب لترى ان لااحد هناك

,انها غرفتهُ فقط وصالة يتوسطها اثاث جميل.

قالت: غريب, لم ار هذا من قبل.

قال مبتسما : انت جارتي , ولقد اهتممتُ بك طوال شهور,كوني

بخير .اجلسي بقربي ولنتذكر معا كل ماحدث بلاخوف لانك الان

بأمان معي وساحرص على ان تكوني سعيدة ولن يعكر صفو

حياتكِ شيء,انت جزء مني ,اتفقنا ؟

كان صوتهُ دافئا فشعرتْ بالهدوء وصارت تنظر اليه متفحصةً

ملامحهُ ,قالت بعد ان تنهدتْ: أَتَذَّكر ! اعطني نقطة بداية لأتذكر

منها لانها دائرة .ان كنتَ تعرفني حقا فانا مدرسة رياضياتوكل

ماحولي اراه واعيشه ياخذ اشكالا هندسية ومعادلات ومنطق

(توقفت عند هذه الكلمة) او غير المنطق الذي اخذني الى

المصح!

قال: انك امراة رائعة وذات عقل غريب بقوته وكل من في

المصحة كان مندهشا بك. سنبدأ حين جئتُ وسكنتُ بقربكموكنت

اراكِ في كل يوم تذهبين للعمل متألقة جميلة كملكة متوجةببهاء

الوجه وقوة المنطق ياااه كم كنت احب التكلم معك.هل انتبهت

يوما اليّ؟

قالت: لا, لم اكن انظر الى احد ..فلا داعي لذلك لم أُخلق لانتبه

الى نظرة اعجاب او حب .

قال: من حق وغريزة كل انسان ان يبحث عن مُكمل له.

قالت: الا انا .

قال: كيف كنت تتقنين الصمت وامك في الفراش بلا حراكلسنين

؟ انه لشيء عجيب !

نزلت دموعها وهي تقول : ماتت .

قال: لكنك بقيتِ بعدها تملؤكِ الحياة , ماالذي جعلك تفكرين

بالانتهاء معها؟

قالت: الظلمة.

قال: اي ظلمة؟

قالت: شيء ما كان في داخلي انظر الى العالم كله منه مصدره ،

امي ..حين رحلتْ صرتُ اعيش بلا نور, فقط ظلام دامس.

قال: غير صحيح , انتِ كنتِ نورها ياعزيزتي والنور لايرحلمع

الموت.

قالت: ومن يبدأ اولا النور ام الظلمة؟

استغرب سؤالها ,صمت قليلا ثم قال: لقد دخلتِ الغرفة وكانت

مظلمة وفتحت النافذة فدخل الضوء منيرا المكان ,اين رحلت

الظلمة ؟ لاوجود للظلام انما فقط غاب النور وهكذا الحال عند

الموت يبقى النور مع الاحياء ويرحل الاموات الى رقادهم.

سكتت , واطرقت براسها .

قالت: انت مثلهم لن تصدق اني انزل هناك حيث هي ونتحادث

فاكتسب منها نورا وراحة لاعود بخير الى مكاني.

قال: بل اصدق , تحدثي فقط اني اصدق كل ماتقولين قبل ان

اسمعه,ولايهمني العالم كله ,انت حبيبتي.

رفعت عينيها بصعوبة اليه وقد اغرورقت بالدموع والحسرة .

اكمل : ثقي بي .

قالت: هل تعلم ان الحياة مسرح مقيت يتراقصون عليه حتى

يتحطم بهم فيكره وجودهم ويطردهم لتبتلعهم الارض .

قال: هل تظنين ان العالم مكان قبيح ؟

قالت: اجل , كل شيء اسود ,حزين , موت ,قتل ,جوع ,حرمان

,فراق ,ماذا بعد ألا تشاركني بالعدّ؟

قال: حين تزهو نفسك ترين كل شيء جميل بل رائع وتطلقين

العنان لروحك للحياة والرقص . في كل شيء ياعزيزتي نجد

الموجود واللاموجود , لاتوجد ظلمة لكن النور يغيب ,لايوجد

كره لكن الحب يغيب ,ولايوجد ظلم لكن الرحمة تغيب , لايوجد

قبح لكن الجمال يغيب ,لايوجد موت لكن الحياة تغيب,لايموت

الزرع ولكن الساقي مهمل , العالم يسير هكذا , الحياة جميلة

وانت بقربي ومااقبحها ببعدك. جلوسك لساعات ضاعت من

عمرك في زيارات للقبر لاتلغي حياة تركتها امك مجبرة

.استعيدي حياتك معي .

قالت: نعم والحزن لاوجود له لكن الفرح غاب ورحل. انام منذ

سنين ولا ارى غير الاحزان تحيط بي مالكة امري تمتص من

رحيقي فلا تُبقي لروحي طاقة الا واستنفذتها , مستبدة ,وكانني

خلقت من احزان وليس من طين هل هو غياب العدل!؟ تفسيرك

جميل ومنطقي .سأخبرك شيئا, حاولت الهرب بعد رحيل امي

لكنني اصطدمت بجدران كثيرة بعضها حيرتي ,ماافعل ؟ ماهي

وجهتي؟ لم أر واجهة حلوة تدعوني اليها ,فكنت اتلفت لارى

فراش امي واحزان عمر انقضى تقف بحب عند قدمي تواسيني

وتساعدني على ارتداء ملابسي وابتلاع طعامي ,لقد تولت

رعايتي ,كنت ارى امي معها تهتم بي خطوة خطوة , اسرح

احيانا هاربة منها لاعيش في الوهم وهم الفرح حين اصوغه

لنفسي كسراب في صحراء قد يقنع المشرف على الموت بالامل

قليلا قبل الموت. وهكذا شيئا فشيئا دخلت في الصمت بلاشيء

لاحزن ولافرح, سكون يحفظ لي بعض من ذاتي, هم ظنوا انني

جننت ,لكنني اخترت ببساطة ان امتنع عن الحياة او الموت فلا

فرق بينهما عندي.احتاج الى بعض النور بين حين واخر فكنت

ادخل القبر واحادث امي بما كنت اسمعه منها في طفولتي

وصباي فأسعد بجوابها الذي كنت احفظه لان عندي ذاكرة

جيدة.هذا كل ماحدث , تركتهم يصوغون لي مرضا وعلل

واشكال

جنون وفصام لكنني كنت اعلم من انا ,دخلت حيزا لن يملكه

غيري لا معادلاتك في الموجود واللاموجود,هل لك ان تقيس

حالتي بشيء؟

قال: كنت ازورك واجلس معك , هل كنت تعلمين ؟

قالت: كنت ابكي فقط عدم وجودي حين رؤيتك.

قال: احبك.

صمتت.وتركت رأسها ينساب على صدره ,ونامت بهدوء

وارتسمت بسمة حزينة على شفتيها.

اخر المنشورات
 
bottom of page