يوم مشرق

اياد خضير\ العراق
قصة قصيرة
يومٌ.. مشرق
على عادته يفتح صديقي خالد باب السيارة ويغوص في جوفها ويستقر في المقعد الأمامي ..
قال: ثمة سؤال شرس بل كئيب ، يدق أعماقي بعنف وحشي .. السؤال يبرز في خطوطه العريضة .
ما هي الحياة ؟!
أنها حقاً حيرة عميقة ، تفتت دواخلي تحت وطأة اضطرابها العنيف ، ولكي يكون تساؤلي أكثر وضوحاً وقدرة على الإحاطة والإدراك أتحدث إليك ..
يقال أن الحياة فيض من أوهام أنحدر من أزل غامض الى أبد لا نهاية لغموضه .. وليست اللذة في كشف الأشياء الواضحة أو درس البديهي الساذج وإنما هي بحث الإسرار الجاثمة ، والتوصل الى التأثير السائغ والنتيجة البارعة .. والثمالة الأخيرة أنما يتناولها السكير فقط ، فالخدر اللذيذ يضاعف السكر ولكنه بالعربدة والخمول الذاهل .. المهم أني عاجز فالشجرة مهما تماسكت لابد لها من الانحناء أمام العاصفة وقد انحنت ، أما الأوراق فهي تتساقط حتماً ، وقد تساقطت .. يقال أن الوظيفة تكبل الإنسان بقيود ثقيلة وهي محاولة للنيل من حريته وسجن مؤبد يغلف الإنسان بالروتين ويقتل فيه روح المبادرة والإبداع .. ورأي آخر يقول أن الوظيفة مجال للإبداع وطريق لكسب المعرفة والصداقة وأداء شيء نافع ،
أما أنا فأقول : أن الوظيفة حاجة لا ترف وقد تكون ترفاً مكتظاً بالمباهج والنعم والطيبات ولكني لم أوفق الى شيء من ذلك ، فهيً عندي ضرورة لا لذة .. ولما دفعتني الحاجة إليها ، شعرت بانحدار يمض النفس ويضعف الحواس فكنت في حاجتي إليها شبيهاً بمن يسكن الى السرطان المزمن تهرباً من الحمى العارضة ، لست متوهماً، يتخذ من خيوط الشمس حبالاً يتمسك بها ، وهو معصوب العينين ، فقد بلغت خريف العمر من حياة مليئة بالأوجاع والآلام والكوارث ، ومتى بلغت الحياة الفناء فهي لا تتسع لضلالات النفس وأوهام الحياة وما دمت كذلك فأني لا أحلم بمصير أفضل ، فأنه يستطيع أن يكون نبتاً طفيلياً أو عشبه مسمومة وقد يحترق الشيء فيستحيل رماداً ، ولكن الشمعة تذوب أولاً ثم يتجمع الذي ذاب فيها فيتجمد ثم يذوب ثانية وما يضيع منها أنما هي الذبالة ، وما الذبالة ألا من بعض الأقطان الرخيصة ، وليس من الضروري أن ينام الإنسان على فراش من الورد ويستيقظ على أغرودة البلبل وزقزقة العصفور ، ولكن من الضروري أن لا يفترش التراب في أعماق اللحد وكفنه مازال في نسجه يحتاج الى بعض الخيوط ..
لم يكن صديقي خالد موفقاً في وظيفته فالأحاسيس تزدحم في دماغه يتخللها السأم والكآبة بسبب العداء من مسؤوله الإداري .. الذي ركنه في عمل ممل ، رمقني بعينين فاقعتين من شدة التعب .
قــلت والألم يعصر قلبي : أن الحياة على ما فيها من محن وأكدار ليست هينة لا تستحق العناية والولاء وحتى الذي فقد الأمل والرجاء منها ، يتردد في عبور قنطرة آيلة للسقوط ولكن الركض مع العاصفة خير من الارتعاش منها ، أما الصمود أمامها فتجربة لم يحاول خوضها حتى الذين قدر لهم المصير الأفضل ،والذي يجوب الصحراء قد يضل الطريق وقد يخدع بالسراب فالخطأ والصواب لابد منهما في الحياة أنما الزلة شيء والعثرة شيء آخر ، والذين يعرفون لا يتكلمون ، والذين يتكلمون لا يعرفون ، وليس من الحكمة أن يفضح الإنسان أسراره لا سيما في ظرف بلغت فيه مزاعم الزاعمين حد الإسفاف.
وفي اليوم التالي .. كان يوماً مشرقاً ، نظرت الى خالد والابتسامة لا تفارقه صفا الصوت في بلعومه شيء ما في داخلي يوحي برحيل مسؤوله الإداري المقيت .. فأحسست بانزياح الظــــــــلام وسيطرة النور على حياتنا الجديدة..