top of page

متحف


صفاء عبد المنعم / مصر

متحف

كان يكتسب أهميته من طريقة الوقفة ، فاتحا قدميه على شكل حرف v ، ومن

العنجهية والتوتر ، وهو يشعل سيجارته ، ثم يلقى بعود . الثقاب على الأرض بعد أن

يحركه في الهواء عدة مرات ، فينطفئ

ثم يبدأ الحوار بصوت خافت وناعم ولذيذ ، يجعل خدرا ما يسرى في كيانها , بعد أن

تشرب فنجان القهوة المصنوعة بالروم على نار هادئة . فيحتويها بعينيه الضيقتين

واللتين ازدادتا حدة وضيقا , فيخرج منهما شعاعا نافذا يخترق قلبها ويشل أفكارها .

وهو ينظر !ليها بحنان واستعطاف طفل يتيم . فكادت أن تزهق روحها وهى تنتظر

خروج الكلمات التي سوف يتبعها بعد ذلك سيلا طويلا من اللعاب في حالة أخذ ورد ,

فتبتلع ريقها جيدا وهى تتذكر رباعيات الخيام ( أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب ) .

فتثار وتصبح شهوانية .عندما يهمس لها : هاتى لسانك .

هنا الإذابة والنشوة والتعلق برقبته !لي مالا نهاية .

قال مدرس الرسم وهو يشرح للطالبات في المتحف عن تمثالين جميلين لزوج

وزوجته من العصر الفرعوني :" !ن براعة المثال المصري القديم تظهر في جودة

هذا العمل , لأن جسد الزوجة أكتسي باللون الوردي , وجسد الزوج أكتسي باللون

البني , دليلا على أن لوحته الشمس ".

عندما كانت تنظر !لي ظهره بعينيها التي كانت تصر على أن يظلا مفتوحتين أثناء

الحب , كانت ترى نهرا فياضا من الخمر يتصبب منه , فتشرب حتى ترتوي , وجسده

الأبيض يشبه الحليب الطازج .

قال المدرس مرة أخرى , وهو يعرض أمام طالباته على اللاب توب صورتين من

أعمال صلاح عناني , الأولى الراقصة والطبال , والثانية صورة تذكارية , وأخذ

يشرح

عبقرية التعبير وتداخل جسد الراقصة وذراعيها وقدميها في لحم الطبال , وهو يحنو

عليها بعينيه الواسعتين , ويلتهم جسدها . وهى ترفع رأسها تجاهه وتدق بصاجها دقا

متواصلا .

وقال : !ن هذا التلاحم يعطى أهمية للحركة , وضرورة كل منهما للآخر .. لأنهما لا

ينفصلان , فالطبال لن ينجح !لا برقصات الراقصة , وهى لن تنجح !لا بإيقاعاته .

أما صورة تذكارية فهيمنة الرجل – الزوج – بادية في الشكل الهرمي الذي يعطي

الثبات والقوة , وهو يضع أطراف أصابعه بترفع على الزوجة , وهى ساكنة !لي

صدره برأسها في وداعة وصمت , ولون فستانها الأحمر طاغي على اللوحة .

كانت تقول له في كل مرة : بحبك .

ثم تمسك يده اليمنى وتقبلها جيدا , وتقول له في وداعة : أشكرك على هذا اليو

الجميل .

وبقوة العادة أصبحت مدفوعة تجاهه لا تستطيع إيقاف اندفاعها أو التحكم في

مشاعرها نحوه , لم تتحكم بجد وقوة في عواطفها , فصارت تشبه الريشة الخفيفة

التي يطوحها الهواء بعيدا , فتعلو , وتعلو , وتعلو .

قال مدرس الرسم :" !ن ما يعيب هذه الأعمال هو سيمترية الألوان .

فالأزرق والأحمر دائما لونان يكرران في جميع اللوحات ". ثم اتجهوا بعد ذلك !لي

رأس نفرتيتي , فأخذ المدرس يصف جمال وروعة الفن المصري , ثم أخذوا

يتجولون

كثيرا في الطرقات .

كان كل مرة يقف عند أقرب بائع يشترى لها زجاجة عصير لتروى الظمأ , وهو

يشترى علبة سجائر وزجاجة مياة معدنية .. ثم يلقى في حجرها باكو شيكولاتة كبيرا

. فتأكل في تلذذ , وتذوب مع طعمها الحلو .

جاءها خاطرا الآن , لماذا لا تسير بمفردها في منتصف الليل , حيث الشوارع تكاد أن

تخلو من المارة , وبرد ديسمبر يبعث لها بعض الواخزات الخفيفة من أسفل الأيشارب

,و فتحات معطفها , والخدر اللذيذ مازال يملأ جسدها .

وقف المدرس عند باب المتحف وقال لتلميذاته : الآن ننصرف . فجهزت كل منهن

نفسها لعبور الشارع , ولم أطراف الشيلان على أكتافهن و انصرفن .

قال لهن بصوته العالي قبل أن تبتعد عن عينيه صورتهن : اللقاء القادم في متحف

الفن الحديث .

هزت كل منهن رأسها , وصرن يضحكن مقهقهات , والبرد يرسل لهن وخزات خفيفة

, خفيفة ومنعشة .

اخر المنشورات
 
bottom of page