top of page

عشق المتسولين


اياد خضير/ العراق

(قصة قصيرة ( عشق المتسولين

لم يعرف سوى أبواق السيارات وضجيج الشارع من الباعة المتجولين والمارة الذين يتجولون في المحال التجارية لشراء حاجياتهم ، كان الرصيف الإسفلتي مكانا ً له عند الاستراحة ، تلهبه حرارته ، هذا حاله منذ ولادته ، أثارت انتباهه متسوّلة ، لها صوت ناعم واضعة ً قطعة قماش سوداء على وجهها ، كانت قريبه منه جالسة ً على الرصيف تنظر إليه ، لم يعد يحتمل ، لا بدّ أن أحدّثها قالها بإصرار واضح .

متسائلا ً ــ أليس من حقّنا نحن المتسولين أنْ نحب ، نعشق ؟ أم ممنوع علينا لأننا ولدنا هكذا مع الحزن لا مكان للفرح بيننا ؟ !

في البدء كانت تضجرُ منه ، لا تطيقه ، كان يتوقّف كلّ خطوتين ، يسير أمامها وخلفها كأنّه حارس عليها ، عندما يحسّ بالوجع يدبُّ إلى ظهره يجلس ..هكذا كان ينهي يومه ، عندما تغيب الشمس ويأتي المساء يكون قد ودّعها إلى يوم آخر في وداعه حسرة وأنين وحتى بكاء ، كان يأتي من الصباح الباكر ينتظرها على أحرّ من الجمر ، وإذا تأخّرتْ يجنُّ جنونُه ، ذات يوم أراد اختبارها وقف بعيدا ً يتأمّلها ، عند وصولها المكان لم تشاهده ، جنَّ جنونها لأنّها اعتادتْ أن تراه كل يوم يأتي قبلها ، كانت تروح وتجيء تنظرُ شمالا ًوجنوبا ًكأنّها فقدتْ شيئا ً ثمينا ً ، تقدّم نحوها وإذا بها تقول : ــ تأخّرتَ اليوم كثيرا ً؟

ــ وهل يعنيك ذلك ؟

ـــ نعم فإنك ...!

ـــ أكملي حديثك.

ـــ لله يا محسنين ، صدقه قليلة تدفع بلاءً كثيرا ً..

ابتعدتْ ، ودارتْ ظهرها وسكتتْ عن الكلام ، كانتْ تهمهم ، تندبُ حظها العاثر مع عشيقها الذي سلبَ نقودها ورماها في الشارع ، متسوّلٌ هو الآخر ، يسكن في أحد البيوت القريبة من بيتها .

صرختْ بصوت عال ٍ ، لا أثقُ بك كلّكم متشابهون كلّ الرجال متشابهون ، يسلبون كلّ شيء جميل وإذا مرضتُ يزجرونني وكأنّني موبوءة أنقل إليهم المرض .

الرياح الساخنة تؤلمها ، سكبتْ على عباءتها بعضاً من الماء ، شعرتْ بالذبول يزحف نحوها فيغزو جسدها .

متسائلة ً : هل يعيد لها شبابها .. حيويتها ؟ !

قــال لها :ـــ ما العمر إلّا أوراقٌ تتطاير ، تبعثرها الريح ، لترحل الكلمات التي دوّنت عليها ، ولا يبقى سوى بقايا أماني وأحلام وعين لا تنام .

هذا هو الحبّ بعينه ، سنرحل عن الأيّام الحزينة والليالي المريرة ، قــالها وأعتبرها مزحة .

تذكّرت الماضي وقــالتْ :ــ مرّتْ أيامٌ صعبة جدّا ً ، كنتُ بحاجة إلى النقود ، أكلّمهم ، أستعطفهم ، فيشيحوا عني وجوههم ، أكادُ أقبّلُ أقدامهم لأحصل على النقود لأشتريَ الطعام لأهلي ، وعندما يرفضون أمضي إلى أقرب مزبلة عسى أن أجد ما يسدُّ فيها رمقي وصراخ معدتي ، ما أقسى أصحاب المطاعم دائما ًيركلونني فأهرب بعيداً عنهم ، هكذا عشتُ طفولتي ، ملابس رثّة تنبعث منها رائحة كريهة ، وأنا أنهش برأسي شيئا ًما يدبُّ فيه ، أنا لا ألوم أحدا ً عندما يطردوني هم محقون .. أمّا الآن عرفتُ كيف أمتهن التسوّل فأكسب منه مالا ً كثيرا ً ، أستحمُّ وأغسل ملابسي.

أكملتْ حديثها :ـــ العيش وحيدا ًمصدرُ تدمير الإنسان ، إبحث عن نصفك الآخر بعيدا ً عني .

ـــ لا تكوني كالبعوضة التي تعضُّ مضيفها .

نهضتْ مسرعة مبتعدة عنه ، لفّه الحزن ، ودبَّ إليه اليأس .. بعصبية فائقة ظلّ يتمتم بكلام غير مسموع أراد أن يعبر الشارع إلى الجهة المقابلة غير عابئٍ بالسيارات المارقة المتهوّرة صدمته سيارة توفي على الفور ، قام السائق بنقله على مسامع الناس الذين تجمهروا.

قـــائلا ً: ــ إنّه مجرّد متسوّل .

نظرتْ إليه وكان مخضّبا ً بالدم تلوم نفسها قائلة ً في سرّها :ــ لماذا تصرّفتُ معه هكذا ؟ تهذي وتلعن حظها العاثر ، أصابها مسُّ من الجنون ، كلّ يوم تجمع النقود وفي المساء تقوم بتمزيقها ، مرّتْ أيامٌ وليالٍ وهي على هذا الحال تنام على الرصيف الذي كانا يجلسان عليه ، ذات يوم تراءى لها في الجانب الآخر من الشارع يناديها ، نهضتْ مسرعةً والابتسامة على وجهها تلبي طلبه لطمتها سيارة تناثر دمها امتلأت السماء بطيور بيضاء ترفرفُ فوق المكان معلنة ً زفافهما ..

اخر المنشورات
 
bottom of page