top of page

رجل يتقن مهنته جيِدا


عيسى عبد الملك/ العراق

...رجل يتقن مهنته جيِدا

فوجئت بوفاة والدي، فجأة بالسكتة القلبية .فوجئت أكثر بأكتظاظ سرادق العزاء وبأعداد

الحاضرين وبالبيارق والهوسات وصراخ بعضهم بصوت عال وبكثرة العدادات

والنائحات واللاطمات على الصدور.كنت يومها حديث عهد بمثل هذه العادات، اذ

نشأت في المدينة.كنت في العشرين تحديدا .كان علي أن استقبل المعزين كلّاٌ حسب

مقامه، دليلي على ذلك مايلبس أو يركب من واسطة نقل،أومن عدد مرافقيه، او من

الحاضرين المشرئبة أعناقهم له .أو من رصانة خطواته وهو يمسح وجوه الحاضرين

بعينه كمن يقول لهم : قوموا لي فأنا ذو شأن كبير!.أو كأن يقول مثلا انظروا عبائتي

المطرزة بخيوط الذهب ومسبحتي النادرة الثمينة . افرد له مكانا يليق به، والاّ أحدثت

كارثة. ففي المجالس، يكون الناس طبقات كما في أيام سومر والرومان. عليّ ايضا أن

أجيد فنّ الصراخ والبكاء بصوت عال بنغمة معروفة .اصرخ مع من يضع رأسه على

كتفي صارخا معبرا عن حجم فجيعته بموت والدي ومشاركته اياي حزني .وهذا عادة

قريب او صديق عزيز جدا .اقف امام الحاضرين واحدا بعد واحد اكرر الترحيب متفقدا

سائلا، هل شربتم شايا وقهوة هل وزعوا سيجاير؟ وأرد على عبارات المعزين المكررة

.علي ان انتزع تعاطف الحاضرين بملامح وجهي وبحة صوتي و بكوفيتي

السوداءالملفوفة باتقان حول عنقي، وبوجهي الكئيب غير المغسول وشعري المنفوش

.أودع الخارجين ببضع خطوات شاكرا داعيا الله الاّ يري احدا منهم مكروها،كما علي

أن احفظ أسماء من ينفحوني واجب العزاء ومقدار المبلغ، فهو دين وذمة وواجب .عليّ

ان افرز النقود حسب الأسماء.أدونها في دفترتسجيل الواجب اذ هناك من يراقبني

والدفتر عرضة للكشف والحساب والتدقيق من قبل العشيرة. ساعدني كثيرون .تطوعوا،

فخففوا من زخم الطقوس الغريبة الثقيلة الدقيقة الغاية في التعقيد والتي انستني فجيعتي

بأبي .بعضهم يعرفني بالحضور .يذكر اسماء المعزين واسماء العشائر والشيوخ

ودرجة القرابة .يعينني في ذكر الاسماء للتسجيل محدقا في الدفتر.أما ابناء المنطقة

والموظفين مع المرحوم فكنت اعرفهم .لم يكونوا من عشيرة واحدة ولا قسم دائرة واحد

فقط رئيس الدائرة كان غريبا، من سامراء واساني هوالآخر باشفاق واضح . كان علي

أن أؤمن طلبات النساء من السجايروسيارات النقل وأجرة العدادات اللائي كن يذكرن

محاسن ابي وكأنه عاشرهن دهرا، لدرجة تغيظ امي.عليك أن تشبع طمع العدادات

يابني والا هجونك ولا يتورعن عن هجوالميت . هن كالقرد، تعطيه يضع يده على

رأسه وعلى دبره اذا لم تعطه ،قالت لي جدتي وهي تكفكف دموعها .ستقعد على

الحصيرة يا ولدي اضافت قائلة . أسأل عن الطعام وأوصيهم الا يبخلوا .كنت متعباً حدّ

الاعياء .باختصار كنت مرتبكا جدا حينما، جاء رجل يصرخ من بعيد بصوت عال

.اشرأبت الاعناق اليه .اشار اليّ بعضهم أن اخرج اليه .من ياترى ،عمّ لي لم التق به،

أم صديق حميم للوالد المرحوم ؟. حضنني وراح يصرخ بصوت مبحوح .ما كان يجب

ان يرحل كيف حدث هذا ولم ادر، .صاح بي وراح يهزني .لقد رحل ،فجأة رحل

بسكتة قلبية ياعم ،قلت بعبرة.جاءت مجموعة رجال علي ان استقبلهم .الرجل ممسكا

بي بقوة .اشرت الى أحدهم ان خلصني منه. كان ضخم الجثة معافى .بعد ساعة خطر

لي أن أعرف الرجل .صلة القرابة ومن اين أتى ؟.اشار لي طفل الى سرادق الطبخ

.سألني الطباخ ،من هذا اتعرفه؟ قلت لا . قال لقد أخذ كبد الذبيحة والمعلاق ورأس

الثورايضا ثم غادر ...

اخر المنشورات
 
bottom of page