top of page

دراسات في النقد العربي


دكتور جمال خضير الجنابي/ العراق

  • دراسات في النقد العربي

  • دراسات في الادب العربي الرمز في شعر هشام القيسي دكتور جمال خضير الجنابي باحث وناقد وصحفي الرمز الحقيقة إن الدارسين والنقاد قد أدلوا بإجاباتهم في هذا الشأن في عشرات الدراسات والكتب منذ أن بدأت دراسة الأدب الحديث،ومن المهم في هذا المقام عدم النظرة إلى موضوعات القصيدة الحديثة نظرة سطحية ساذجة،تقرأ تلك الموضوعات قراءة سطحية،تعدها ضرباً من الشعور الفردي الذي يعول في شرحه على بعض الظروف الخاصة بشاعرمن الشعراء،وإنما نحن بإزاء ضربٍ من الطقوس أو الشعائرالتي يؤديها المجتمع،أو تصدرعن عقلٍ جماعي إن صح هذا التعبير لاعن عقلٍ فردي أو حالة ذاتية . والحق إن الشعرالحديث كله يوشك أن يكون على هذا النحو، بمعنى أن مراميه فوق ذوات الشعراء،وهناك قدرمن المشاعر والأفكارالتي يسهم في بنائها كل شاعركبير،والذي يلفت النظر هو أن فن الأطلال كغيره من فنون الشعرالمعاصرفي العصر ينبع من إلزام اجتماعي،فالشاعرمن حيث هو فنان يوشك أن يكون ملتزماً،ويأتيه هذا الالتزام من ارتباط غامض بحاجات المجتمع العليا،وكل نابغة في العصرالمعاصريشعرأن المجتمع يوجه أفكاره إلى حيث يريد(1) فنحن عند قراءتنا للشعرالمعاصرنجد أنفسنا أمام(رموز)وظفها شعراء ذلك العصرللتعبيرعن أفكارومضامين حددت علاقة الشاعر،وموقفه مما حوله،والقصيدة الشعرية المبدعة ومنها القصيدة المعاصرعبارة عن مجموعة رموزفالطلل رمز،والمرأة رمز...وبوصفها رموزاً فإنها تحقق وحدة القصيدة المعاصر تحقيقاً بارعاً،ولانستطيع أن ندافع عن هذه الوحدة دون أن نتعمق مفهوم الرمز،وهذه الرموز يأخذ بعضها برقاب بعض(2).وقبل أن ندلف في الحديث عن (الرمز) عند هشام القيسي،علينا أن نقف وقفة مجلية لدلالته، وأهميته في فهم القصيدة،والمتتبع لتعريفات الرمزعند النقاد والدارسين يجدها كثيرة ومتنوعة، فمنهم من رأى فيه كائناً حياً،أو شيئاً محساً،جرى العرف على عده رمزاً دالاً على معنى مجرد،كرمزية الحمامة على السلام(3)وفي هذا التعريف تحديد عام لمعنى الرمز،سواء أكان في نطاق الدراسة الأدبية،أم في نطاق المجتمع والدراسات الاجتماعية،المهم في هذا التعريف بالنسبة لدراستنا العلاقة بين الرامز والمرموزله في الاستعمال،وأما في نطاق الدراسة الأدبية ،فإن العلاقة بين الرمزوما يرمزله لاتقوم على أساس المواضعة أو الاصطلاح كما رأينا في التعريف السابق للرمز،وإنما تقوم على أساس اكتشاف نوعٍ من التشابه الجوهري بين شيئين اكتشافاً ذاتياً،غيرمقيدٍ بعرف أو عادة،فقيمة الرمزالأدبي تكمن في ذاته،ولا تسقط عليه إسقاطاً(4) على أن من المهم التنبيه إلى أن مبدأ(التشابه)في الرمزالأدبي يعتمد على وجود صفات في الشيء(الرامز)،يرتكزعليها المبدع في توظيفه له(الرامز)،هذه الصفة أو الصفات أراد أن يعبرمن خلالها عن مضمون مشابه أو موازٍ،وبخاصة في الشعرالمعاصر فالشاعرالمعاصرعندما وظف(الجبل)على سبيل المثال في قصائده،فإنه لمح فيها معاني القوة والصبر،فأراد أن ينسبها لنفسه مثلاً،ولذلك فقد عرفه بعضهم بأنه شيء محس يختارللدلالة على إحدى صفاته(5) وقد عرف (الرمز) من الوجهة الأدبية،بأنه بنية مركبة على نحوٍ جمالي،كله توترومشاقة بين العابر الموقوت،والأبدي الدائم،بين المظهرالحس المتغيرالذي يكون نواة الصورة الشعرية، وماهيات الأشياء بوصفها أساساً للكينونة،ولدوام ما هو واحد وليس متغيراً ،إنه تركيب جمالي جامع بين الصيرورة والكينونة،صيرورة المظهرالحسي المتغيرالذي يعبرالرمزعنه بالنشاط التخيلي المتمثل في الصورة،والإشارات المجازية،وكينونة الأشياء بتسميتها على ما هي عليه،بالتوغل في لبابها وكنهها(6)إن هذا التعريف وإن كان ينطبق أكثرشيء على الرموز الصوفية في قصائد المتصوفة،إلا أنه يخدم بحثنا من حيث إشارته إلى الصورالشعرية وفنون البيان بوصفها مجتمعة رموزاً دالة على مضامين،وهذا ينسجم مع أساليب الترميزفي الشعر المعاصر،على وفق كون هشام القيسي أحد رموزالشعرالمعاصر،وقد مربنا في مباحث التشبيه والاستعارة والكناية الصورالمتكررة على مختلف تلك المستويات،وفي سائرقصائد هشام القيسي، والصورة الشعرية إذا عاودت الظهورفي أكثرمن سياق،وتكررت،فإنها ستغدو رمزاً،قد يصبح جزءاً من منظومة رمزية(7)ومن المجدي الإشارة إليه في مجال دراسة الرمزالأدبي،أن هذا النوع من الرمزينبني على أساسين ضروريين،حتى يتحقق فيه وصف الرمزالأدبي،هما(8) الأول:مستوى الأشياء الحسية أو الصورالحسية التي تستحيل قالباً للرمز،ومستوى الحالات المعنوية(المجردات)المرموزلها، وعندما يتمازج المستويان في عملية الإبداع يخلق الرمز. الثاني :لابد من وجود علاقة بين المستويين السابقين،هذه العلاقة هي التي تهب الرمز قوة التمثيل الباطنة فيه،والمقصود هنا بالعلاقة(علاقة المشابهة،التي لايقصد بها التماثل في الملامح الحسية،بل يقصد بها تلك العلاقات الداخلية بين(الرمز) والمرموز له،من مثل النظام والانسجام والتناسب،وما إلى ذلك من سمات أساسها تشابه الوقع النفسي في كليهما.والحقيقة إن مبدأ التشابه يمثل في العمل الإبداعي،علاقة المبدع بما حوله من مظاهرالطبيعة،هذا التشابه يمنح الرمز (الطاقة الإيحائية)التي هي لوازم الرمز،وتجلياته في النص،فالرمز موضوع يأتي من حيث الظاهرمستقلاً،إلا أنه من وجهة أخرى يشيرإلى موضوع آخر،لما فيه من دلائل تجعله مثيراً الانتباه في سياقه الذي يأتي فيه(9) والطاقة الإيحائية في الرمزتعتمد على مقدرة المتلقي في تتبع دلالاته(الرمز)عن طريق استقراء سياق القصيدة،بل سياق النص الشعري بأكمله عند الشاعرالمدروس،والقصيدة الشاعرة المبدعة أشبه بالكهف العميق في صدرالجبل،وتحتاج لإدراك كنهها إلى دراية وشجاعة،كدراية وشجاعة المنقب في الكهف،وقد أحسن من عرف الرمزبأنه كهف طلسمي خازن لكنزٍمن المعاني والدلالات،كامنة وراء ظاهرالتصورات،ومخبوءة داخل خلايا القصيدة وخلف أليافها،والحامل في نهاية العملية الإبداعية مكنونات النفس الإنسانية،من دون أن يبيح للوعي حق إبرازها ودفعها إلى السطح،لهذا فالرمزعمق وبعد من أعماق أو أبعاد المعنى(10) وإنما يوصل معانيه ودلالاته بالإيحاء،ويتطلب ذلك الإيحاء مستقبلات حساسة ومرهفة لإدراك المراد.ومما لايخفى على الدارسين أهمية(الرمز)في العملية الإبداعية الأدبية،فهو وسيلة من وسائل التعبيرالفنية عند الشعراء منذ أن ولد الشعر،بوصفه عملاً ذهنياً تشترك فيه القوى الباطنية للمبدع أولاً في ابتكاره، والمتلقي بوصفه مستقبلاً،فالقصيدة ذات البنية الرمزية،ليست مجرد إشارة لشيء تدرك بسهولة ويسروإنما هي أداة لتفجيركل الطاقات والدلالات المترسبة في عمق الشعور واللا شعور،يثيرها الوجدان والانفعال والخصوبة في تجليات القصيدة(11) والرمزفي حقيقته مجموع الصورالفنية في القصيدة،إذ تؤدي عناصرها دورالموصل للأفكار والمشاعروالطموحات للطبقة والمجتمع(12)الذي ينتمي إليه المنشيء،ولو تعمقنا قليلاً في مكونات الرمزالأدبي لرأيناه ممثلاً في مجموع الأساليب الاستعارية والكنائية والتشبيهية،وهذه الأساليب تنضوي تحت مسمى(الرمز)،إن الرمزبهذا المعنى يستوعب(البيان) بأتمه،أوعلى الأقل صوره التي يتحقق معها التجوز في الدلالة(13).وثمة مسألة مهمة ينبغي بيانها ونحن نتحدث عن مفهوم(الرمز)،تتمثل في نوع العلاقة في الرمزالأدبي بين الرمزوما يرمزله،أهي علاقة اعتباطية ،أم علاقة تواضعية مقصودة،بمعنى آخر هل كان الذي رمزللعدالة بالميزان واعياً بالعلاقة بين الاثنين على سبيل المثال،وهل كان الشاعرالمعاصرفي اختياره رمزاً في أشعاره مدركاً طبيعة هذا الاختيار،وواعياً بحيثياته ونوع العلاقة بين رمز والمعاني التي ترمزلها ؟إن اختيار الرمزليس أمراً تعسفياً أو اعتباطياً،وإنما تدعو إليه ضرورة نفسية،إنه نتيجة لنوع من التفكيرالذي تميله الرغبة(14) وهذا الحكم في اعتقادنا ينطبق على هشام القيسي في أسلوبه الشعري كما على غيره من المبدعين في العمل الشعري،وقد مرت إشارة القدماء إلى مكوث القصيدة عنده عاماً كاملاً وحولاً حائلاً، يعيد قراءتها ويقدم فيها ويؤخر،ويضيف ويحذف،وسلوك الشاعرلهذا الأسلوب من النظم يجعلنا نعتقد فيه أنه كان على وعي تام فيما يكتب ويختارمن عناصرالبناء الفني للقصيدة،وما يؤكد هذه الوجهة تكرارالرموز في أشعارذلك العصر،وشيوعها ،وشيوع تقنية أدبية معينة،بل شيوع أية ظاهرة معينة،لايمكن أن يكون عبثاً،أومحض صدفة،بل يستحيل إلا أن تكون وراءه دوافع اجتماعية ونفسية،وجهت السلوك أو النفس نحو هذا الاتجاه(15)ولاسيما مع شاعرمنقح صاحب صنعة شعرية خاصة،وتجربة حياتية خاصة أكسبته الحكمة والخبرة كهشام القيسي،إن هذا الرأي لايعني أن الشاعرفي اختياره لرموزه كان على وعي في جميعها ،والمقصود هنا بـ (الوعي)عالم الشعورأو العقل الظاهرعلى وفق مصطلحات النفسيين،بل إن هناك رموزاً أصبحت بتقادم الزمن، وتوالي الأجيال جزءاً من مكونات اللا شعورأو العقل الباطن، وتظهرفي ثقافة المجتمع،وعلى لسان مبدعيه عن غير قصد. وعوداً على بدء فنقول:إن تعدد موضوعات القصيدة المعاصره لم يفقدها هذا النمط الخفي من الوحدة النفسية المتمثلة بتشكيل موضوعات افتتاحها التقليدي تشكيلاً يستوعب مخاض المعاناة الإبداعية،ويهيىء مدى القصيدة لاستقبال معالجة موضوعها الرئيس،بعد أن تتكفل لوحات الافتتاح بسحب المتلقي إلى مناخه، فلوحات الافتتاح بوصفها أحد الرموزجسرالمتلقي ومنفذه إلى عالم التجربة التي بعثت الشاعرعلى قول القصيدة برمتها(16)،ويأتي(الرمزالأدبي)وسط تلك العملية بمثابة موحد ولام أشتات القصيدة المعاصره التي تبدو أول وهلة متناثرة متسلسلة لارابط بينها.وهشام القيسي كغيره من الشعراء المعاصرين،سلك مسلك تعدد موضوعات القصيدة ابتداءً من لوحة الطلل وانتهاء بغرض القصيدة،إلاأنه أضاف إليها ما زودته تجربته الحياة الطويلة من خبرة،وما عاصره من أحداث حرب التي دامت ثمانية سنوات، التي جعلته كأي إنسان مثقف واسع المعرفة أن يتأمل في هذه الحياة وأحداثها. ومن المهم في هذا المقام ونحن نحاول استكناه دلالات الرمزعند هشام القيسي،الإشارة إلى تنوع دلالات الرمزالواحد،ذلك أن (الرمز)في حقيقته أداة لتفجيركل طاقات المعاني المترسبة في الشعور،واللا شعور،عن طريق الوجدان،أو تكثيف الانفعال الذي يعمل فكر المتلقي على محاولة إدراكه،قد يعبرالشاعرعن المعنى ببعض الظلال،أو يلجأ إلى أطراف المعاني،وعلى القاريء أن يتلمس من وراء ذلك كله دلالات،يدرك من إيمآتها ما لم يدركه الشاعرنفسه(17) ذلك أن إبداع القصيدة يشترك فيه الشعورواللا شعور،وقد مرت إشارتنا إلى ارتباط الرموزمن حيث منشؤها بالشعورتارةً وبـ (اللا شعور) تارة أخرى.وعندما نقول(دلالات)الرمز،فإن ذلك يعني وجود أكثر من مستوى دلالي،من المستويات الدلالية للرمزالواحد،ويمكن تقسيم المستويات الدلالية للرمزمن حيث بعدها المعنوي وما يتعلق به من نواحي الحياة الإنسانية وجوانبها،على أكثرمن بعد،من أهمها: البعد الاجتماعي،والبعد النفسي،والبعد الفلسفي(18)وسنحاول في دراستنا تأشيرما يمكن أن نستكنهه من أبعاد دلالية للرمز عند هشام القيسي. رمزية الطلل تمثل لحظة الوقوف على الطلل إحدى المحطات التي يجب على الشاعرأن يستفيء في ظلالها،وهذا التقليد الشعري مجذرالأصول في النفس الشعرية لدى شاعرما قبل الإسلام،ويرقى إلى عهود عميقة الغور في التاريخ الشعري،بل ربما كان ينحدر من خراب سد مأرب،أومن خراب الحضارات التي ازدهرت فعلاً في أماكن شتى من جزيرة العرب،وقد استدلت الدراسات الجيولوجية من خلال كثرة الوديان في شبه الجزيرة،على أنها كانت في يوم ما من التاريخ السحيق أرضاً خصبة وذات نماء،أهلها لتكون موطناً لحضارات طمست(19) وما لنا نتكيء على نظريات(علم الأرض)،وبين أيدينا نصوص القرآن الكريم أصدق كتابٍ،وأوثق نبأ،إذ حدثنا عن أممٍ أبيدت بحضاراتها،وأصبحت أثراً بعد عينٍ ؟!وكل شاعرفي ذلك العصرلايبدأ حديثاً،ولا يخاطب مجتمعاً إلا عن طريق استرجاع الماضي المتمثل في مظاهرحسية,شكل الطلل بؤرة توسع دوائرها،وقبس توهج أشعتها،والأطلال والرسوم المندرسة هي بقايا ذلك الماضي المحبب إلى نفس الشاعر،فيعيد تذكره كلما حدث دافع لذلك،تلذذاً وتمتعاً أمام تيار التقادم الذي يأتي على كل شيء ليدمره،ويمحوا آثاره من ذهن الشاعر.وإذا كان الطلل من حيث ظاهره مظهراً من مظاهرانتهاء الحياة،واندثارها،مما يستدعي البكاء والحزن،كما هوعند معظم الشعراء ،فإن الأمر مختلف عند هشام القيسي من خلال استقرائنا لنماذج الرمزعنده،وتتبعنا لأساليبه في مجموعة،من ذلك قوله: (في المساء لتشرب من نهر العشاق ما ينفع القلب؟) ولو أمعنا النظرفي هذه اللوحة الطللية لوجدناها قد بنيت على مجموعة من رموزالحياة،مما يجعلنا أن نرى فيها مظهراً من مظاهرالحياة وتجددها،بخلاف صورة الطلل عند معظم الشعراء،التي تعني نهاية حياة،مما يستوجب البكاء عندها.ومن الواجب علينا ونحن ندرس النص الشعري لهشام القيسي أسلوبياً أن نضع أيدينا على مظاهرالحياة في هذه اللوحة،منها تشبيهه ذلك الطلل تم إعادته وتجديده،وقد تقدم الكلام على هذه الصورة التشبيهية ودلالتها،ومنها أيضاً وصفه تلك الأطلال,وفي ذلك دلالة نفسية سيأتي بيانها،كل تلك المظاهرتجعل طلل هشام القيسي يختلف عن غيره،إذ اقتصد في حشد رموزفناء الطلل،بل إنه ليحيل تلك الرموزنفسها رموزحياة،فحين تغدو الأطلال عند الشعراء وشماً باهتاً،لم يبق منه الزمن إلا آثاراً دارسة على الأديم،وفي ترجيع الوشم إعادة له كما كان،وذلك ما لايتفق (موضوعياً)مع الصورة المفترضة للطلل،ويتساءل المرء عن سرهذا التوجه النادر،فتتملكه الحيرة،ولكنه يتذكرأن القصيدة برمتها قيلت،وقد انطفأت نارحرب طويلة بين العراق وايران وكيف توقفت تلك الحرب بعد ان انتصرفيها العراق على المجوس الفارسي,وأقبلت حياة السلام والاستقرار،وأقبلت معها أسباب الاطمئنان،وتجدد مسيرة الحياة،هو السلام إذاً،وهي فرحة النفس.به،فالطلل إذن في هذا المستوى رمزللحياة وتجدد تلك الحياة،بعد أن تنحت أسباب انتهائها المتمثلة بـ (الحرب)ولكي يعمق تلك الدلالة،نراه في لوحة مشابهة يقرن إلى ذكر(نهر),إذ قال: (لا شيء ينقصك غير دار يفتح النوافذ كل يوم ولا شيء يحزنك غير موت يضحك كل يوم) ويمكن أن نستشف دلالة أخرى للرمز،وهو بعد نفسي،إذ غدا هذا الطلل رمزاً التي طلقها على الرغم من حبه لها وتعلقه بها،والفراق ماحٍ قويٍ،ومؤثر في محو صورة الحبيب أوعلى الأقل يعمل على تسلية المحب عمن يحب بسبب أو بآخر،لكن هذا المحب سرعان ما تتداعى أمامه صورة حبيبه،وتعود أيامه إلى اللحظات المتوهجة بمشاعرالحب،وحرارة القرب،فيبعث في نفسه الحب القديم كأنه يولد من جديد،وهكذا فقد غدا(الطلل) مثيراً لكل مشاعرالحب الماضي الذي عملت الأيام على اندثاره،ومن المعروف أن ذات الحبيبة تتوحد بـ (مكان إقامتها)أو ديارها حتى تصيرجزءاً واحداً،فإذا عملت الأيام على تلاشي ذات المحبوبة وهوالجزء الذاهب،فإن ديارها في لحظة الوقوف على الطلل تعود من جديد،فتعمل على إثارة مشاعرالحب من جديد(20) فالطلل في هذا المستوى رمز للحبيبة .على أن في استهلال الشاعرلوحته هذه بأسلوب الاستفهام دلالة أخرى،وبعد آخرمن أبعاد الرمز،ويمكن حمله على(الاعتبار) ووضع حياة الإنسان في موضعها الحقيقي الذي سيؤول في يوم ما إلى آثارخاوية،بعد أن كانت دياراً تعج بالحركة والحياة،فهذه الأطلال بعثت التساؤل في نفس الشاعرعن حقيقية الحياة،فكانت الإجابة متمحورة حول الحقيقة التي ستصيرإليها حياة الإنسان،وهي ذهابه،وبقاء آثاره دالة على وجوده في يومٍ ما،وليس هذا الاحتمال بغريب على شاعركهشام القيسي،يمتلك عقلية حكيمة متدبرة فيما حوله،ولاسيما أن له أبياتٍ في هذا المعنى،منها قوله: (كم من مسرة فيك تسرح وكم من جمرة فيك تقدح اتسمح الاوراق لي) ومن المفيد ذكره في هذا المجال،ويمثل سمة أسلوبية عند هشام القيسي،أنه في معظم لوحاته الطللية كان يستهلها بأسلوب الاستفهام,مما يؤكد ذلك المنحى الاعتباري التدبري في حقيقة الحياة، وما ستؤول إليه.ومن المهم التذكيربه أيضاً ونحن نعالج النص الشعري عندهشام القيسي أسلوبياً، أن المقدمات الطللية لديه لم تأت على نمط واحدٍ في أبعادها الرمزية،كالتي تقدمت،بل أخذت أبعاداً رمزية أخرى،وذلك تبعاً لسياقها الذي تأتي به،فمن دلالتها الأخرى،أن قسما منها كان رمزا لإقفار الحياة،والعوز،وهي بذلك مقابل لوضع آخرمغايرتماماً،وعلى قطب التضاد،وهو وضع (الكرم) والخصوبة الرافلة بالحياة،كما في قوله في قصيدة مدح بها صديقه عدنان القطب حيث يقول: (فيما كنا نجلس فيما كنا نهمس فيما كنا خلف هذا السراب) هكذا استطاع هشام القيسي أن ينوع في دلالات رمزية الطلل،من خلال نوع السياقات التي جاء فيها(الطلل)،وقد استثمرهشام القيسي عبقريته في سبيل تنويع مدلولات الرمز،فلم يكن نمطياً في توظيفه للطلل،بل نوع في الدلالات،ليثبت قدرته،وإمكاناته في هذا المجال.وقبل أن ننهي حديثنا عن رمزية الطلل.لابد من الإشارة إلى سمة أسلوبية ليست خاصة بشعرهشام القيسي وحده،وإنما تتعلق بالشعربعامة،إلا أن هشام القيسي قد ترك عليها أثره من حيث صياغتها،تلك السمة تتمثل في اقتران ذكرالطلل بذكرالمرأة ولاسيما الحبيبة،ولذلك فإن الطلل كالأم الولود التي لايجف خصبها،وهذا الخصب ذو صورمتعددة متحركة وساكنة، كالحروف والنقوش،والظباء والنساء، ويبدو الطلل كأنه منبت ثقافة،منبت الوعي وإدراك الماضي في مضيه واستمراره معاً،منبت الحاجة إلى تثبيت مركزالإنسان وسط الوجود عن طريق الكتابة،منبت إدراك قوة الخلق التي يمكن أن يتمتع بها الطلل: الطلل هو النبع الثر الذي ولد الظعائن،والظعائن نساء لايراهن المرء، شخوصهن مخبأة خلف الأنماط والأستارولكن الشاعريبحث عنهن وقد سرين في أنحاء الجزيرة ينشرن ما يشبه الود والسلام (21)ومما يجب التنبيه عليه أيضاً أن ارتباط الطلل بذكرالمرأة لا ينبغي أن يسحبنا إلى تصورخاطيء،مؤداه اقتران تلك الأشياء اقتراناً أبدياً،فنحن نعلم أن المجاميع الشعرية تضم مئات النماذج التي افتتحها أصحابها بلوحة الظعن،أو النسيب، أوالطيف في الأصل،فأكدوا بذلك أن صورة المرأة قادرة على أن تشكل بذاتها افتتاحاً مقنعاً لتجاربهم الشعرية(22). رمزية المرأة ـ الظعينة وثمة دلالة رمزية عامة لتوظيف الشعراء في العصوركافة لرمز(المرأة)،مؤداها:كون هذا النموذج الرمزي(المرأة)ذا قدرة عميقة على تمثيل معاناة الشاعرمن جراء انفراط العلاقات الإنسانية كلها،التي أحس الشاعرالمعاصرأنها سريعة التكوين على موارد المياه،سريعة الانهيار بنضوب تلك الموارد،فكان له أن يتحول بمعاناة الانتزاع من أواصر الصداقة والألفة والجوار والقرابة إلى لوحة الحبيبة الراحلة،ليودعها زخم الانفعال ويطوع تفاصيل صورتها،لتؤدي دور المهيأ للمناخ النفسي المطلوب لقبول التجربة الآتية التي يعالجها موضوع القصيدة الرئيسي(23). (ما اصفى ايامه تطلع من خطوة تعاشر ولا تجاهر) ولو أمعنا النظرفي تلك الاسطورالتي كان هشام القيسي فيها مصوراً بارعاً،لوجدنا أنه استطاع أن يعطينا(أمكنه الصورة)كما استطاع أن يعطينا(زمانها)،وماذا ينقص الصورة بعد ذلك ؟ لقد وعت(اللون)و(الزمان)و(المكان)،غيرأن ذلك لم يحقق مراد الشاعر،فما تزال دقة التصويرتلزمه العناية بمواد أخرى،فنراه يلجأ للتفاصيل وذكرالجزئيات،فيوظف اللون مرة أخرى في تعميق دلالة الرمز.ونحن لا ننكر أنه يختلط بعاطفة تشبه الحزن أو الإشفاق،ولكنه ليس حزناً ضريراً،بل هو أقرب إلى النوروالتفتح والإشراق، وللحزن إشراقات غير قليلة ينبغي ألا تكون موضع إنكار و(التبصر)الذي يتحدث عنه الشاعريعقم فكرة البكاء،أو ينقح مدلوله،ويوجهه إلى حيث يريد.. كذلك نلاحظ أن(التبصر)هو في هذا المقام إعمال القلب(24)وهو أنسب ما يكون في موضع يعقب لوحة (الطلل)،وفيه دعوة من الشاعرإلى تأمل دلالة(الطلل)،والاعتبارهنالك،كما أشرنا من قبل. والحقيقة إن هذه اللوحة تحولت بوساطة عبقرية هشام القيسي إلى أشبه بمهرجان فرح،استخدمت فيه الألوان للتعبيرعن هذا الفرح،وتجسيد أجوائه،ولاسيما أن الشاعروقومه قد خرجوا من حربٍ ضروسٍ،فهو أدعى إلى الفرح والطرب والاستبشار،ولهذا قال: (مهلا الزمن صفير عابر مقعد مملوء بالدم يدخله العصر دون ان يلد بين يديه) فالأجواء في في شعرهشام القيسي أجواء قهرٍ وأحزان مصاحبة لنهاية الحياة،وبناءً على ما تقدم يمكن أن يقال:إن(المراة)في شعرهشام القيسي قد استخدمت رمزاً لإشراقة الحياة،وتحولها منحال حسنةٍ،كانت تجمع الشاعرمع فتيات قومه،إلى حال حسنة أخرى،كما أن فيها دلالة اجتماعية على تجمع قوم الشاعرمرة أخرى بعد أن فرقتهم حرب مشؤومة.على أن ذلك الوصف ليس مطرداً ن بل وجدناه في مواضع أخرى يسلك مسلك غيره من الشعراء،فيأتي بالمرأة ملفوفة بأجواء الحزن والبكاء،وحينئذ يصدق عليه تأويل الدارسين الذي أشرنا إليه من قبل.والأسلوب أو(النمط) الآخر الذي ذكرت فيه(المرأة)في شعرهشام القيسي التصريح بذكرها،إذ وجدنا أسماء فتيات أو(كنى) لهن في مقدمات قصائده الطللية،أو بصورمستقلة عبرأسلوب النسيب والتشبيب،أو الوصف لبعض أجزاء جسدها.ومما يلفت النظرفي هذا السياق ذكره صاحبته،بأسلوب الشكوى من إخلافها وعودها،حتى انقطع أو كاد حبل المود بينهما،وفيه استعارة كما هو ظاهر،وعلى الرغم من انقطاع العلاقة،نلمح الشاعر يصورما فعلته معه لكي تحزنه،مما يوحي بنوع مشاعره تجاهها، وهي مشاعرحبٍ وتعلق،ومما يلحظ في أسلوب إيراده أيضاً ذكره مواطن الجمال في المرأة,وهو نوع من المجاز المرسل،قصد منه ذكر(في)حبيبته. ولعل في ذكرالمشبه به بوصفها أماً تأكيداً وتعميقاً للرأي الذي يعتقد في ذكرالمرأة رمزاً لتجدد الحياة،وديمومتها عن طريق التوالد،ومما عمق هذا المعنى أيضاً ذكره قسماً من مواطن الجمال التي تجذب الرجل المحب إلى المرأة ليسكن إليها(25)ولتتوحد فيه،على وفق كون المرأة شقيقة الرجل ونصفه الآخر،ويمكن أن نتلمس دلالة رمزية أخرى للمرأة في هذا السياق،وتتمثل في كونها رمزاً للعلاقات الإنسانية التي تنفرط بين أفراد المجتمع عندما تنتهي أسباب البقاء،وما ينتج عنه من مسببات الحياة الأخرى.ويمكن أن نلمح الدلالات الرمزية السابقة في معظم نماذجه في هذا المقام،من ذلك قوله: (انت في اخر الحب تصحو ومن امواجه الراقدة تسيل اسفارك المحترقة) وواضح أن دلالة انفراط عقد العلاقة بينه وبين صاحبته جلية وصريحة،ولا تحتاج إلى تأويلٍ،إلا أنه يمكن أن يقال إنه أراد من خلال التصريح بهذا الانفراط في علاقة عاطفية وغرامية بين رجلٍ وامرأة حبيبة،أن يوحي بطبيعة العلاقات التي كانت تربط بين أفراد القبيلة أولاً،وبين القبيلة والأرض التي تقطنها ثانياً، وهي علاقة واهية زائلة ومتغيرة لاتعرف الثبات،وهو أسلوب نهجه هشام القيسي في عدد قصائده.وكما عهدنا هشام القيسي في مقدماته الطللية غيرسالك نمطاً تقليدياً واحداً في ترميزه،فنوع في مدلولات(الطلل)الرمزية تبعاً لنوع السياق الذي جاءت فيه،فكذلك وجدناه في توظيف رمزية المرأة في أشعاره،فلم يكن تقليدياً ومقتصراً على دلالة رمزية واحدة، بل نوع في ذلك بحسب طبيعة السياق،من ذلك قوله في توصيف مآل علاقته. (حين انظر اليك تبدو الايام زهرة تنصت للعشق) إن قراءة متأنية ومتأملة في هذه الاستهلالة تكشف عن النتيجة التي استخلصها هشام القيسي من علاقته العاطفية مع صاحبته،فتلك العلاقة كانت بمثابة(المسكر)الذي غيب عقل الشاعر،وجعل عليه غشاوة،فكان كالنائم المغشي عليه،فلا يعي ما يفعل،ولهذا وصف فعله في علاقته،والرجل في غمرة العشق يغيب عقله، ولذلك نستطيع القول في الدلالات الرمزية للمرأة في هذا السياق: إنها رمزت لمرحلة عمرية من سن الإنسان الذي يسعى إلى إشباع لذته النفسية المتطلعة نحوالمرأة،وكل ما هو يتلاءم مع سن الشباب،وكأن الصبابة في حقيقتها تناقص وصف الرجولة،فكان على الشاعر أن يتجاوز تلك المرحلة،إلى نضوج العقل،واكتمال الرجولة،ولاسيما أن هذه الاستهلالة جاءت في مقدمة قصيدة مدحية توجه فيها الشاعر نحو الذي رأى فيه مجتمع صفات الرجولة،فكان على افتتاح القصيدة أن يطوع تفاصيله لتوفير المناخ النفسي المناسب لقبول النموذج الإنساني الأمثل في تجسيد الرجولة(26).كما نلمح فيها بعداً رمزياً آخراً تمثل في مقاومة الشاعرالمحب الخضوع إلى سلطان الهوى،ومن ثم تسلطية الحبيبة،ومن النساء من إذا شعرت بتعلق المحب بها،فإنها تستثمرذلك في فرض سيطرتها عليه،فأراد الشاعرمن ذلك الرمز إلى رفض خضوع.ولعلنا بعد ذلك الاستعراض نستطيع القول إن هشام القيسي لم يكن عشوائياً في اختياره لرموزالمرأة،وأساليب ذكرها،إن كانت في وصف المراة متسترة مخبوءة،أم مستقلة مصرحاً بها في مقدمات قصائده الطللية أو التشبيبية.ومن خلال ذلك كله فقد رأينا تداخل الأبعاد الدلالية لرمزية (المرأة)،بين ما هو نفسي،وما هو اعتباري تفكري،ولاسيما في التدليل على انفراط العلاقات الإنسانية،وصيرورتها إلى الزوال. -ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 0 قراءة ثانية في شعرنا القديم ,ص 53. 2 0نظرية المعنى في النقد العربي،د.مصطفى ناصف،دارالأندلس, بيروت، ط2، 1401هــ 1981 ,ص122 3 0 معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب،مجدي وهبة وكامل المهندس،مكتبة لبنان ـ بيروت ، ط2 ، 1984 ,ص181 4 0الرمز والرمزية في الشعرالمعاصر،د.محمد فتوح أحمد،دار المعارف ـ مصر ،ط2 ، 1978 ,ص37 5 0 الدلالة المجازية في الحكاية الرمزية والرمز،صبحي البستاني،مجلة الفكرالعربي المعاصر،مركز الإنماء القومي ـ بيروت، ع38 ،سنة 1986 ,ص17 ,بحث منشور 6 0 الرمزالشعري عند الصوفية،د.عاطف جودة نصر،دارالأندلس،دار الكندي ـ بيروت،ط1 ، 1978,ص114 7 0 نظرية الأدب ,ص 244 ، /وعلم الأسلوب , ص 282. 8 0 الرمزفي الشعرالعربي قبل الإسلام،مؤيد اليوزبكي،أطروحة دكتوراه ،بإشراف: أ. د.عمر محمد مصطفى الطالب،كلية الآداب ـ جامعة الموصل ، هـ 1412- 1992 , ص22 9 0 نظرية الأدب ,ص 243. 10 0 مقالات في الشعر الجاهلي ، يوسف اليوسف ,ص 298. 11 0 دراسة في لغة الشعر ، د. رجاء عيد , ص10 ـ 12. 12 0 جماليات الصورة الفنية ,ص 15. 13 0 الصورة في الخطاب البلاغي والنقدي ,ص 192. 14 0 التفسير النفسي للأدب،د.عز الدين إسماعيل،دار العودةـ دار الثقافة ـ بيروت ، 1962 ,ص75 الصورة في الخطاب البلاغي والنقدي, ص 191. 15 0 مقالات في الشعر الجاهلي ,ص 148. 16 0 نصوص من الشعر العربي قبل الإسلام ,ص157 ـ 158. 17 0 دراسة في لغة الشعر ,ص 11 ـ 12. 18 0 الرمز في الشعر العربي قبل الإسلام ,ص35. 19 0مقالات في الشعرالجاهلي،يوسف اليوسف،دارالحقائق بالتعاون مع المطبوعات الجامعية بالجزائر،ط3 ، 1983,ص136 020 الرمزفي الشعرالعربي قبل الإسلام،مؤيد اليوزبكي،أطروحة دكتوراه ،بإشراف:أ.د.عمرمحمد مصطفى الطالب،كلية الآداب ـ جامعة الموصل،1412، هـ ـ 1992 21 0قراءة ثانية لشعرنا القديم، د.مصطفى ناصف،دارالأندلس ـ بيروت، ط2 ، 1401 هـ ـ 1981 ,64-65 22 0نصوص من الشعرالعربي قبل الإسلام ـ دراسة وتحليل،د. نوري حمودي القيسي،د.محمود عبد الله الجادر،د. بهجت عبد الغفورالأثري، دارالحكمة للطباعة والنشر ـ بغداد ، ط1 ،1411 هـ ـ 1990,ص21 23 0 نفس المصدر,ص21 24 0قراءة ثانية لشعرنا القديم، د.مصطفى ناصف،دارالأندلس,ص 63 25 0الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي،الولي محمد،المركز الثقافي العربي ـ بيروت،الدارالبيضاء ،ط1 ، 1990 ,ص217 26 0 نصوص من الشعرالعربي قبل الإسلام ـ دراسة وتحليل،,ص28

اخر المنشورات
 
bottom of page